وعن غيرتها من زوجته صفية ، روى أنس بن مالك أن صفيَّة بلغها أن حفصة قالت: « صفيَّة بنت يهودي » ، فبكت واشتكت للنبي محمد، فقال لصفية: « إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟ » ثم قال لحفصة: « اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ. » وغير ذلك من المواقف التي تحدث بين النساء. [18] كما عُرف عنها البلاغة والفصاحة، ولها خطبة مشهورة قالتها بعد مقتل أبيها، [12] [19] وقد كانت حفصة من قلة النساء اللاتي تعلمن الكتابة وقتئذ، تعلمتها على يد الصحابية الشفاء بنت عبد الله. [12] وقد أشادت أم المؤمنين، عائشة، بحفصة بنت عمر، فقالت عنها: « هي التي كانت تساميني من أزواج النبي » ، وقالت أيضاً عنها: « ما رأيت صانعاً مثل حفصة، إنها بنت أبيها ». وقد روت أم المؤمنين حفصة بنت عمر أحاديث عن النبي محمد وعن أبيها بلغت ستين حديثاً، منها ثلاثة متفق عليها ، وانفرد مسلم بستة أحاديث، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين؛ كأخيها عبد الله وابنه حمزة وزوجته صفية بنت أبي عبيد وحارثة بن وهب والمطلب بن أبي وداعة وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن صفوان والمسيِّب بن رافع وغيرهم، وأورد بقيّ بن مخلد في مسنده ستين حديثاً عنها.
وهكذا شرّفها الله سبحانه لتكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، تقتبس من أنواره ، وتنهل من علمه ، بما حباها الله من ذكاءٍ وفطنةٍ ، وشغفٍ للمعرفة ، ونلمس ذلك من أسئلتها التي تلقيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم استفهاماً للحكمة واستيضاحاً للحقيقة ، فمن ذلك أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلا من أهل مكة ، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم ، فرجع من كان إمامهم لينظر ما فعل القوم ، فيصيبهم مثل ما أصابهم). فقالت: يا رسول الله ، فكيف بمن كان منهم مستكرها ؟ ، فقال لها: ( يصيبهم كلهم ذلك ، ثم يبعث الله كل امرئ على نيته). وعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنى لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحداً شهد بدراً والحديبية) ، فقالت: ( أليس الله عز وجل يقول: { وإن منكم إلا واردها} ، فأجابها: { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّا} ( مريم: 72). يقول الإمام النووي معلّقا: " فيه دليل للمناظرة والاعتراض ، والجواب على وجه الاسترشاد ، وهو مقصود حفصة ، لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم ". ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قالت له: ما يمنعك يا رسول الله أن تهلّ معنا ؟ ، قال: ( إني قد أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي).
وقد شارك زيد في هذه المهمة العظيمة ( عمر بن الخطاب) فعن عروة بن الزبير أن أبا بكر قال لعمر و زيد: " اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه "!!.. قال الحافظ السخاوي في (جمال القراء): " المراد انهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم ، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن ". ولما أجمع الصحابة على أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان في جمع الناس على مصحف إمام يستنسخون منه مصاحفهم.. " أرسل أمير المؤمنين عثمان إلى أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ".. تلك هي الوديعة الغالية!!.. التي أودعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عند ابنته حفصة أم المؤمنين.. فحفظتها بكل أمانة.. ورعتها بكل صون... فحفظ لها الصحابة … والتابعون …. وتابعوهم من المؤمنين إلى يومنا هذا … وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ذلك الذكر الجميل الذي تذكر فيه كلما تذاكر المسلمون جمع المصحف الشريف في مرحلتيه … في عهد الصديق أبي بكر … وعهد ذي النورين عثمان… وبعد مقتل عثمان…إلى آخر أيام علي…. بقيت حفصة عاكفة على العبادة صوامة قوامة … إلى أن توفيت في أول عهد معاوية بن أبي سفيان …وشيعها أهل المدينة إلى مثواها الأخير في البقيع مع أمهات المؤمنين رضي
[٧] وكان زواجها منه -عليه الصلاة السلام، وهو خيرٌ من عثمان، وعندما التقى أبو بكر وعُمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- بعد ذلك، أخبره أبو بكر أنّ النبيّ كان قد ذكرَ زواجها أمامه، فخشي أن يُفشي سِرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولو تركها الرسول -عليه الصلاة والسلام- لكان تزوّجها، [٨] وأصدقَها أربعمئة درهم. [٧] إكرام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحفصة كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عادلاً بين زوجاته، حتّى أنّه إذا أراد الخروج في غزوة ، أو سفر، كان يجري قُرعة بين زوجاته، والتي تقع عليها القرعة تخرج معه، وفي إحدى الغزوات خرج اسم حفصة في القرعة، فخرجت معه، وكانت في خيمتها أثناء المعركة. [٩] حتى إذا انتهت المعركة ذهبت لتسقي العطشى، وتداوي الجرحى، وتُخفّف من ألم المُصابين، فلمّا رأى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذلك، أعطاها ثمانين وسقاً* من القمح؛ إكراماً لها، واعترافاً بفَضلها. [٩] حياة حفصة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم كانت حفصة -رضي الله عنها- تعيش في حياة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كما تحبّ وتتمنّى، وقد حفظت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعض الأحاديث، والأقوال التي كان يُوجّهها لها ولأُمّته، وكانت تتّبعها كما هي.
ساهم بعض المتصدرين للفتوى وهم غير مؤهلين لها في تشويه صورة الإسلام، فأفتوا بغير فهم ولا إدراك، وليس لديهم أيُّ فكرٍ أو علمٍ يتعلق بفقه الموازنات الشرعية، بين المصالح والمفاسد، وكذلك بفقه المآلات، فكيف نعيد الثقة مع الناس بعدما أضعفها هؤلاء؟ الفـجــر 5:00 الشروق الظهر العصر 03:35 المغرب 06:30 العشاء 7:30 السابق التالي